توصيف المشروع
يسعى هذا المشروع إلى استكشاف التحوّلات، البديعة والمرعبة في آن، لأرض مهددة بتصاعد الصراعات الوطنية، وهي أيضاً موقع الصراعات هذه. ننبش الذكريات المُغفَلة واللحظات الهاطلة من السماء، لاقتراح سرديات بديلة للصدمة. ثم نلتفت إلى كيفية إنتاج الدولة الحديثة وأراضيها من باطن الأرض. ننطلق من الطيران الميكانيكي الثقيل، كنموذج لتجربة حداثوية في الفضاء وإنتاجه، أيام السِّلم والحرب، لننقل العنف والنشوة، المتساميَين والمرتبطين بالسموات، إلى الأرض، فنضيء على أملٍ كليّ الوجود وسط حطام التجربة الحداثوية. وبناءً على التزامنا الكامل بالإمكانات العجيبة للعمارة، نرمي إلى تحوّلٍ يتخذ شكل تدخّلٍ صانعٍ لفضاء جديد، جذري: بئر في سوريا. فبالتعاون مع ناشطين محليين ومنظمات مدنية، حُفرتْ بئرٌ في منطقة خرجت عن سيطرة النظام في عام 2011، ومنذ ذلك الحين، تدير معظم شؤونها مجالس وهيئات محلية. البئر تؤمن مياه الشرب للسكان الذين يربو عددهم على خمسة عشر ألف نسمة. البئر هذه، بديل مؤقت للبنية التحتية الحكومية التي دمرتها الحرب.
في بينالي البندقية للعمارة 2014، بإدارة ريم كولهاس، دُعيتُ لتصميم وتقديم «جناح سوري» مؤقت في Corderie dell`Arsenale. بالتعاون مع ناشطين اقترحت مبادرة معمارية تآمرية بعض الشيء ، كردٍّ عملي على الوضع القائم ، وذلك بتحويل التمويل والدعاية المرتبطتين بالبينالي إلى مشروع «جناح نازح» في سوريا (أي البئر). وبما أن البينالي يعتبر الحدث المعماري الأول حول العالم، يزوره باحثون ومحترفون وطلاب من مختلف المشارب، فهذه فرصة فريدة لنشر ممارسات جذرية تتعلق بصناعة الفضاء/المساحة. كما سيضم الوجود في البندقية نشاطات عديدة (أفلام و ورشات عمل)، تهدف إلى تفحّص نقدي للظروف الراهنة في سوريا، والدور الكبير لمعاينة الأرض من الجو إضافة إلى قصفها بالمتفجرات، في إنتاج الفضاء الحديث. تمثل السماء محاولات زاخرة بالقوة/السلطة لإنتاج الأرض (وما عليها) من علٍ، في حين أن البئر تحاكي القوة نفسها، إنما مقلوبة وكفعل مقاومة، من أسفلٍ يرمق الأعلى بتحدٍّ، ما يؤهل المشروع لإنعاش الأمل من عمق الأرض إلى سطحها المأهول، في غفلة من الدمار المُسقَط من أعلى.
في مثل هذه اللحظات التاريخية، بالضبط ، يمسي حيوياً فهم الصراعات الماضية على الفضاء ومعانيها . هذه الحرب المستمرة تطرح أسئلة المسؤولية بإلحاح، فيجد المعماريون أنفسهم، كغيرهم وسط مصائب كهذه، في حاجة ماسة ليكونوا منتجين وليتصرفوا بشكل ذي معنى. البقاع الخربة تدعو المعمار/المواطن إلى عرض ما حلّ بها. في مناطق عديدة من سوريا، ثمة شحّ في المياه. ويمكن للبئر أن تقدم دعماً لمناطق تعاني النتائج المضنية للحرب، ليس كأحد مقومات البقاء فحسب، بل أيضاً كمكان للتبادل الاجتماعي والإنتاج المجتمعي.
الدور الأساس للمعمار في هذا المشروع، يكمن في إيجاد تمويل لحفر البئر و تقديم النصح البسيط، بالاضافة الى إنتاج مواد تمثيلية للبئر ستعرض في البندقية.
خلال البحث عن مواقع ومتعاونين محتملين للجناح النازح، تعرفت إلى «الهيئة العامة للدفاع المدني»، وهي حركة شعبية مؤلفة من ناشطين شباب ومواطنين معنيين، تمكنوا، في وقت قصير جداً، من تنظيم مبادرات متعددة لتحسين ظروف العيش في سوريا. وهُم التجسيد الفعلي لمبادرة نابعة من قلب المجتمع، كبديل لنظام مضطلع بالقصف الجوي.
في قرية الطيبة، بعد تدمير المصدر الأساسي للمياه وبنيته التحتية في آذار 2013، لم يتأخر الشباب في إيجاد مصدر آخر للمياه . تلك الجهودٍ الجبارة تبدو مُلهمة على أكثر من مستوى، وتشق طريقاً واضحاً لمنظمات محلية محتملة في سوريا ما بعد الثورة. وإذ أشاركهم رؤيتهم، وبما أن مشروعهم توقف مؤقتاً، اقترحتُ هذا التعاون بيننا، على أمل لإنجاز البئر وربطها بشبكة القرية التي ما تزال موجودة، علّنا ننقذ أرواحاً وننشر الوعي، من الطيبة إلى البندقية، عبر تطوير بدائلٍ للعمل الراديكالي. قد تم حفر البئر في حزيران 2014 و بدأنا في إنتاج بئراً آخر.
هذا الإسقاط للمواطن/المعمار على الأرض المحروقة هو المشروع المعماري الذي نضعه بين أيديكم، والمنبثق من إيمان عميق بأن العمارة يمكنها أداء دور حتى في أحلك الظروف، وأن مثل هذه الممارسة المعمارية بوسعها تجاوز التمايزات بين الأبنية والنُّصُب، وهي تمايزات غالباً ما تمر من دون مساءلة. «الجناح النازح»، ومواد تمثيله، ليس مجرّد تدخل مباشر وموضع تأمل من مسافة، بل هو مشروع سياسي كُتب بكامله على الأرض، وهي الضرورة لإنتاج المكان. وهكذا، فإن المسألة ليست ببساطة كتابة بناء على الأرض، إنما هي محاولة لصياغة أسلوب جديد للبناء يتواءم مع السياق وظروفه. هذا المكمن السياسي لهذا العمل الفني.
[اضغط هنا للاطلاع على المقال باللغة الانجليزية]
[بئر بطيبة, ٢٠١٤.صورة لخالد ملص]
[ سماء حلب ٢٠١٤. صورة لخالد ملص]
[استقصاء السماء. معلقة لسليم القاضي، خالد ملص ، الفراد طرازي وجانا طرابلسي]